المقالات
ملاحظة حول مشكلة “الارتهان السياسي”
- التفاصيل
- المجموعة: أقلام حرة
- نشر بتاريخ السبت, 19 أبريل 2014 23:09
الدكتور عبدالله الحلوي- جامعة القاضي عياض، مراكش
من الأخطاء الكبيرة (في نظري) التي وقعت فيها الحركة الأمازيغية في تاريخها القريب أنها رهنت نفسها نَظَراً وعَمَلاً لحركات سياسية أخرى متوهمة أنها ستساهم بذلك في تشكيل “كتلة تاريخية” ستعجل بسقوط الاستبداد، مما سيفرش الطريق بالورد للمطالب الهوياتية للحركة الأمازيغية. فَصِرْتَ تجد في المخلصين من أهل الحركة الأمازيغية ممن ارتمى في أحضان العلمانيين علمانيا، والماركسيين ماركسيا، يدافع وينافح عما ارتهن إليه أكثر مما يدافع عنه أهله.
إلا أن التجربة التاريخية للحركة الأمازيغية مع الربيع الديموقراطي في أرض تامازغا وتجربة الحركة الطلابية الأمازيغية مع الأغيار السياسيين أثبتت بواضح الأدلة وأفحمها أن للعلمانيين الليبراليين والإسلاميين واليساريين رهاناتهم الخاصة التي قد يضحي من أجلها هؤلاء الأغيار السياسيون بمطالب الحركة الأمازيغية كليا أوجزئيا بمجرد أن يصلوا إلى موقع صناعة القرار أويقتربوا منه. ففكرة “الكتلة التاريخية” التي أبدعها ڭرامشي هي الحيلة التي تستعملها الحركات التي تتوفر في فترة تاريخية معينة على قاعدة جماهيرية كبيرة نسبيا تضمن لها الاكتساح الشامل بمجرد أن تستعمل الحركات الأخرى في الوصول إلى موقع صناعة القرار.
لذلك فلن نكف عن تذكير الحركة الأمازيغية، وهي، في تقديرنا، المستقبل الحضاري للمغرب وغيره من أقطار تامازغا التاريخية ـ لن نكف عن تذكيرها بأن لا بديل عن ثقافة الإبداع الفكري والإبتكار السوسيواقتصادي. فبالإبداع والابتكار نحقق في ممارساتنا ما ندعو إليه من ضرورة الانتظام في هويتنا لغة وثقافة وتاريخا وإنسانا، وبهما نؤكد ذاتية الإنسية الأمازيغية وتفرُّدها الحضاري، وبهما نبرز ما تتميز به مطالب الحركة الأمازيغية عن مطالب الحركات الأخرى، أي مشروعيتها الأخلاقية المؤسسة على المطالبة بالحق الهوياتي المسلوب.
لذلك أيضا أقترح أن الفكرانية الأمازيغية يجب أن تمر بشكل منهجي من لحظة النقد العقلاني للأسس الأيديولوجية للحركات السياسية السائدة، لتتجه بعد ذلك وفي إبَّان ذلك إلى بناء مفاهيمها الخاصة بناء عقلانيا متينا (مثل مفاهيم “الهوية الجذر” و”الكرامة الكينونية” و”المسلوب الهوياتي” و”الابتكار السوسيواقتصادي” وغير ذلك). فلن تستطيع تيموزغا تحقيق ما تصبو إليه من تحرر سياسي إلا إذا حققت تحررها الفكري.
إن من مظاهر العمي الأيديولوجي لبعض المثقفين المستلبين أنهم لم يستشكلوا كون الحراك الديموقراطي الذي عرفته تيموزغا والشرق الأوسط انطلق أول ما انطلق من أرض تامازغا. فالبوعزيزي الذي كان بمثانة الشرارة الأولى التي أشعلت لهيب الثورة كان أمازيغيا، ومدينة سيدي بوزيد مدينة أمازيغية، وتونس جزء من الوطن الأمازيغي. أما مصر وسوريا واليمن وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية التي شهدت حراكا ثوريا فليست سوى مجالات مستقلة للهزة الثورية القادمة من البؤرة الأمازيغية. بل إن التأمل الفلسفي في طبيعة الثورة نفسه لم يظهر في هذ الخريطة الوهمية التي تسمى ب”العالم العربي” بل أتى مما سماه ب”البلدان المغاربية”، أي (وبلغة لا تحمل أي نفاق دبلماسي) تامازغا. لقد خصص ابن خلدون فصلين كاملين من تاريخه للحديث عن ما تسميه العنصرية العروبية ب “البربر”. وسيلاحظ قارئ هذين الجزئين أنهما رصد لتاريخ مقاومة تيموزغا (الكينونة الأمازيغية) التلقائية لأشكال الإسترقاق التي حاولت قوى مختلفة أن تخضعها لها. فالإنتماء لتيموزغا (أي التمزغ) يعني التحقق التاريخي لمبدإ الأستحالة الأنطولوجية للعبودية. أو لنقل: التحرر تمزُّغ والتمزغ تحرر. هذا هو الدرس الذي ينبغي أن يذكر به نفسه كل من ابتُلي بالارتهان للغير السياسي.
التعليقات
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة